السيد محمد صلاح التامك، أوجه إليك تحية عميقة وضاحكة، أخبرك بداية أنني كنت ضحية مقلبك الجميل، أو لنسميها الكاميرا الخفية التي تشركنا فيها عبر بلاغاتك الممتدة من أبعد زنزانة في السجون التي تديرها إلى أعمق أستاذ ومحلل في أرقى الجامعات الأمريكية… مرونة بلاغاتك وبلاغتك أوقعتني في الفخ وفي الشرك الذي نصبته لي… حين اشتدت الازمة الاقتصادية بسبب وباء كورونا اللعين، وجدت نفسي بين عشية وضحاها، مطالب بأداء مبلغ كبير كنفقة واجبة اتجاه مواطن مسجل باسمي في الحالة المدنية، ووجدت نفسي مبحوثا عنه من طرف الفرقة الإدارية للشرطة القضائية المكلفة بجنح اهمال الاسرة…

ليس مهما أن أخبركم أنني تحملت مسؤولية الانفاق على هذا المواطن لما يزيد عن 17 سنة، فهذا لن يغير من الواقع شيئا… وكمواطن يتحمل مسؤوليته، قررت تسليم نفسي والتوجه نحو مقر الشرطة، مفترضا أنني سأقضي عقوبة حبسية، هي على كل الأحوال، ووفق القانون، مستحقة، ولا يمكنني التملص منها….

عقوبة حبسية مستحقة

كان ذلك يوم الجمعة 24 دجنبر 2022، حيث مكثت في مخفر الشرطة إلى حين تقديمي يوم 27 دجنبر 2022 أمام نائبة وكيل الملك، التي أمرت بايداعي سجن العرجات1، في انتظار عرضي على المحكمة… ساورني فرح غريب وأنا انتقل من مخفر الشرطة إلى السجن، مستحضرا بلاغات سيادتكم حول كرامة السجين وأنسنة السجون والرقي بالمنظومة السجنية إلى مستويات تصان فيها حقوق السجناء وآدميتهم.. أعترف أنه لحظتها، خانني وعيي السياسي، إذ كيف أصدق بلاغاتك في دولة لا تحترم كرامة ولا حقوق المواطنين؟ ما عالينا…

سب وشتم وجوع وأفرشة متسخة ورائحة خراء

وصلنا إلى السجن على الساعة الثامنة مساء، لنتلقى أولى جرعات الإهانة والاذلال، هكذا بدون مقدمات وبدون أسباب النزول… كانت عملية التفتيش، على قانونيتها، مهينة ومذلة، اتلاف لحاجياتنا الصغيرةَ والتي من المفروض أن تحفظ إلى حين اطلاق سراحنا، السب والشتم غير المبرر، كلام سوقي يمتح من لغة الشوارع والبورديلات… تم اقتيادنا إلى جناح مخصص للحجر الطبي لنجد أنفسنا في مواجهة الاسمنت والاكتظاظ: افرشة نحيفة جدا ومتسخة، جوع وعدم توفير الطعام، اكتظاظ مريع اذ يفترش 12 من السجناء مساحة لا تتعدى 5 متر مربع ومراحيض معطلة تفوح منها رائحة الخراء…

نعم السيد محمد صلاح التامك، رائحة الخراء… حاول تخيل رائحتها وأنت ممدد على ارض من الخرسانة الصلبة… استمرت أيام الحجر على نفس المنوال، نفس الظروف، أكل رديء يوزع في شروط حيوانية، دون أواني أو معدات لاستقباله، رغم أننا وقعنا على استلام أواني بلاستيكية.. كنا نستعمل علب الحليب وأجران الياغورت لاستقبال لوبيا رديئة وصوبة تفوح منها رائحة كريهة وشاي أعد للبهائم لا للآدميين…

عنف الموظفين

لم نتوصل بالأغطية من ذوينا إلا بعد أسبوع رغم أنهم سلموها إلى الإدارة يوم 28 دجنبر، أي بعد يوم من وصولنا الى السجن… وأنا أعيش هذا الرعب برواقية غريبة، ينتابني الضحك وأنا أتذكر سحنتك وأنت تتلو بلاغاتك حول أنسنة السجون، وأطرح سؤالا فلسفيا: ماذا تعني لكم كلمة “أنسنة”؟ ماذا تعني لكم كلمة “كرامة”؟ كنت أتحمل كل هذا انطلاقا من تفهمي للاكراهات المادية التي يمكن أن تعاني منها المندوبية، لكن ما لم أكن أطيقه هو كمية العنف المادي والرمزي الذي يمارسه موظفو مندوبيتكم اتجاه المعتقلين… طيلة مدة اعتقالي، لم أصادف موظفا واحدا، أكررها، موظفا واحدا، بحس انساني، أو حتى بحياد انساني، أي يمارس عمله وفق الضوابط القانونية وربما العسكرية، دون أن يعتدي جسديا أو لفظيا على المساجين..

كانت القاعة المخصصة للاستحمام في الجناح 2، البعيدة عن الكاميرات، مسلخا للعديد من المعتقلين، يكبلون من أيديهم ويعنفون بشكل لا انساني وذلك لأسباب واهية (شجارات عادية كنتيجة حتمية للتعايش في ظروف بهيمية).. كنت أطرح سؤالا: هل تتعمد المندوبية توظيف هؤلاء الأشخاص، قساة ولا انسانيين بالمرة؟ هل يبرر التوجس من خطورة السجناء، على افتراض وجودها، كل هذا العنف المجاني؟ ثم أخيرا ما هو فهمكم للأنسنة ؟ لست في موقع من يقدم المساعدة على الفهم، لكن شخصيا اعتبر الانسنة هي الشروط التي استطيع أن أعيش فيها كانسان، فهل تعتقد، السيد التامك، أنكم تستطيعون العيش فيما توفرونه للمغاربة السجناء كمعنى للأنسنة والكرامة؟

The post رسالة مفتوحة إلى التامك: ما معنى الأنسنة والجوع والشتم والخراء والتعنيف في السجن appeared first on فبراير.كوم | موقع مغربي إخباري شامل يتجدد على مدار الساعة.

Read More

التصنيفات: World

0 تعليق

اترك تعليقاً

عنصر نائب للصورة الرمزية (Avatar)

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.