تم الشروع في حملة الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية المقررة يوم الـ8 من شتنبر 2021 في ظل استمرار جائحة كورونا والتدابير الاحترازية المرافقة لها مما نتج عنه التركيز أكثر على فضاء موازي يتيح هامشا أوسع من التحرك والتعبئة من أجل إنجاح الحملة الانتخابية للأحزاب.

فإذا كان الفضاء الافتراضي شكل فضاءا تكميليا منذ استحقاقات 2011 و2015 فقد أضحىفي خضم تداعيات جائحة كورونا فضاء أساسيا ومركزيا للحملة الانتخابية. فبالعودة لانتخابات 2011يمكن التذكير بأن الحملة الافتراضية مثلت حينها نقلة جديدة في التواصل الانتخابي إذ تغير سياق الخطاب السياسي من منظومة إيديولوجية إلى أخرى وسائطيةرقمية وذلك عبر ما يسمى بالفيلم المؤسساتي الذي يقوم على سؤال بعض المواطنين والإجابة على تساؤلاتهم في شريط لا تتجاوز مدته 10 دقائق. في المقابل تميزت انتخابات 2015 باستعمال مكثف لمواقع الاتصال الاجتماعي (فيسبوك وتويتر ويوتيوب وفليكر والمدونات) لاسيما عبر انشاء الموقع الرسمي للحزب بهدف التعريف بالبرامج وتقديم المرشحين للانتخابات الجماعية والجهوية والرد المباشر والسريع على الخصوم السياسيين.

وبالمقارنة مع الحملة الافتراضية التي واكبت الانتخابات التشريعية لـ2011 والجماعية والجهوية ل 2015 تم دعم التفاعل الافتراضي إبان استحقاقات 2021إضافة للإطار الجماعي الحزبي (الفيلم المؤسساتي) والموقع الرسمي بنموذج وإطار فردي تم فيه التركيز على نوع من التواصل المشخصن يرتكز على سرديات مختصرة عبر خلق حسابات على فيسبوك وتويتر وواتساب من طرف المرشحين والمرشحاتبالإضافة إلى وصلات مؤدى عنها ( Sponsorisé)لضبط سيميائيات الصورة الشخصية من خلال فيديو قصير لتقديم المرشح (ة). وتباعا خلقت المواقع الإلكترونية فضاء موازيا للحوار المدني حول الانتخابات وذلك بتقديم المرشحين والمرشحاتوعرض عناصر البرامج الانتخابية وطرح سؤال المشاركة أو المقاطعة. وقد تمخضت المشاهد الافتراضية في بعض الأحيان عن عنف رمزي امتد إلى حد تبادل الشتائم والاتهامات بين مناصري الأحزاب. كما ظهرت شريحة اتخذت من فن “البروديا” آلية للدفاع عن موقفها من الانتخابات وتركز التعبير اللغوي على الدارجة كتجسيد لخطاب تناظري بهدف إضفاء هوية خاصة على الخطاب السياسي ليلائم الرهانات التشريعية والجهوية والمحليةوفي المقابل تم تغييب الأمازيغية من السوق اللغوية الانتخابية مما أفضى إلى تراجععلى مستوى التحديات اللغوية والثقافية والهوياتية وأعاد منظومة الأحادية اللغوية والثقافية وألغى منطق التنوع والتعدد المنصوص عليه في الفصل الخامس من دستور 2011 وبالتالي عدم اقحام المقومات والخيرات الرمزية في البرامج الانتخابية لا سيما منها الجهوية والمحلية.

 وقد تمخض المتن التفاعلي في بعض الأحيان عن عدة اختلالات اتسمت بنقص خطابي ولغوي وعنف رمزي تميز بالإفراط في الخطاب الشعبوي واستعمال نسق لغوي ولفظي تجريحي موجه لشخص المنافس السياسي عبر تبادل الشتائم والاتهامات وليس عبر مقارعة البرامج الانتخابية، مما يطرح إشكالية التعايش والتداول بين المنخرطين في الحملات الافتراضية. في هذا المنوال تم تحويل النقاش من نقاش يتعلق بمنجزات وبرامج تشريعيةومحلية وجهوية إلى تداول حول القيم المجتمعية مثل الصدق والأمانة والالتزام، مما أضفى على منطق التواصل الإفتراضي ضعف الجاذبية السياسيةوالارتكان إلى محاسبة الممارسات والأخلاق وليس الانجازات. لهذا وإبان الحملة الافتراضية تم الترويج على نطاق واسع لصور وفيديوهات لزعماءومرشحين ومرشحات وهم يتعايشون مع فئات مجتمعية كانت بعيدة عن فضاءاتهم الاجتماعية مثل الباعة المتجولين وسكان الأحياء الشعبية وحراس السيارات وتجمعات الشباب … من خلال مقاطع فيديو قصيرة يتم تقاسمها مباشرة حيثيرتفع لديهم حس الإنصات والتحاور وتقبل الآخر وينتقلون من التشارك إلى التعايش.وهذا الانغماس الاجتماعي المبرمج سلفا يتم رصده والتقاطه لتصريفه افتراضيا لعرضه على ساكنة فيسبوك وتويتر وواتساب في أفق استمالتها للتصويت لصالح الحزب ومرشحيهإلا أن ردود الفعل لم تكن دائما ايجابية بل كانت تتخللها انفعالات جماعية ضد بعض المرشحين أدت في بعض الأحيان إلى السباب والعنف الخطابي والمنع من المرور والهتاف ب “ارحل” و “أنت شفار” ” والشفار ” “والكذاب” ” وفين كنتي “…

ومن زاوية أخرى يبدو أن مضامين الحملة الورقية والحملة الافتراضية متقاربة، فليس هناك أي إبداع أو تنافس تناظري على مستوى تقديم المرشحين والبرامجوالأفكار السياسية لا سيما منها الإجرائية التي تروم التسيير والتدبير أو النظرية التي تسعى إلى تكريس مفاهيم مثل المشاركة المواطنة أو الحكامة الجيدة مع وفرة وزخم الأساليب والبرامج والأدوات الرقمية. لذا تشابهت المضامين الافتراضية وتكررت وجعلت المواطن الافتراضي لا يميز بين برامج وخصوصيات الأحزاب المرشحة. وكان لافتا اعتماد المواقع على النقل المباشر وغير المباشر لتحركات المرشحين مما أضفى على المضمون التناظري صبغة الفرجة والمشاهدة وأفضى إلى تحول مرتادي فيسبوك وتويترويوتيوب وواتساب من ناخبين محتملين إلى مشاهدين ومتفرجين. كما تجدر الإشارة إلى أن بعض الإحصائيات أظهرت تباينا كبيرا بين الأحزاب من خلال مؤشر التفاعل كما نشره موقع فايسبوك حول حجم التفاعل الإجمالي للمغاربة على صفحات الأحزاب الرسمية على فيسبوك خلال الأسبوع الأخير وتقدم حزب التجمع الوطني للأحرار ب 4.1 مليون تفاعل متبوعا على التوالي بحزب الاستقلال ب 722 الف تفاعل يليه حزب التقدم والاشتراكية ب 471 ألف تفاعل وحزب العدالة والتنمية ب 325 ألف تفاعل والاتحاد الدستوري ب 83 ألف تفاعل وحزب الأصالة والمعاصرة ب 79 ألف تفاعل وحزب الاتحاد الاشتراكي ب 63 ألف تفاعل والحركة الشعبية ب 43 ألف تفاعل.

في هذا السياق، أصبح مرتادو العالم الافتراضي يصبون انتقاداتهم لا على فحوى البرامج الانتخابية ولكن على مكونات وعناصر وجزئيات المشهد المنقول كأنهم أمام مباراة لكرة القدم فيختاروا منها ما يمكن أن يتداول كـ “بوز” أو “إثارة افتراضية”. وأدت الإحالات المتكررة على الحقل الدلالي للفساد إلى استياء الناخب الافتراضي وتيهه وريبته لاسيما فيما يخص استعمال لفظة “الفساد”. في هذا السياق اضطلع البعض بتوثيق الخروقات من خلال “رقابة تناظرية” عملت على فضح بعض التجاوزات الناتجة عن رشوة الناخبين أو طفرة اللوائح العائلية فكان مفعول هذه الرقابة أن أخرجت البعض عن صمتهم، فهناك من أقر بعدم جدوى المشاركة لوجود منتخبين يستعملون المال والهدايا لاستمالة الناخبين أو تكوين اللوائح باعتماد العلاقة القرابية. وعمد آخرون إلى تقاسم بعض الملصقات الانتخابية التي شكلت مادة ساخرة لاسيما لتضمنها أخطاء لغوية ونحوية وخلطها بين مفردات الدارجة والعربية على أساس أنها تنتمي إلى معجم العربية، مما أدى إلى تدني صورة بعض الأحزاب لعدم مراقبتها واهتمامها بالتدوينات والاعلانات الموجهة للمواطنين الافتراضيين، ودفع البعض للتنديد بهذا العنف الرمزي وعدم احترام الناخب وتنظيف فضائهم الافتراضيمن “التلوث الانتخابي”

يبدو أنه ليس هناك مؤشرات عن تأثير التواصل الاقتراضي في طبيعة ونوعية الخطابات لانعدام الابتكار والخلق على مستوى المضمون التناظري وسطحيته ونمطيته (وعود وأمال مستقبلية). كما أن الحملة الانتخابية في العالم الافتراضي لم تأتي بجديد فيما يخص هوية الأحزاب حيث تشابهت الخطابات وتماهت في العاميات وأطنبت في الكلمات المفاتيح من قبيل العدالة الاجتماعية والكرامة والمساواة  ومحاربة الفساد …وإذا كان الهدف من الحملة الافتراضية هو خلق تواصل جذاب لإقناع الشباب ومرتادي المواقع الاجتماعية بالمشاركة السياسية عبر الانخراط الواعي في اختيار مرشحيهم ومرشحاتهم الذين يستجيبون لتطلعاتهم التشريعية والجهوية والجماعية، فإن التفاعلات التي أفرزتها أطوار الحملة أبانت عن اختلالات ونواقص تمخضت عنها حالة من التشظي التواصلي نتج عنه في نفس الوقت فتور ونفور بموازاة رقابة تناظرية على بعض المضامين والشعارات والبنيات والخرجاتالافتراضية. ومن الاستنتاجات الممكنة حول الحملة الافتراضية للانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية لـ 2021 يمكن سرد لا للحصر ما يلي :

غياب الشق التناظريعن التداول الذي عرفته الحملة الافتراضية حول رهانات البرامج البديلة ونجاعتها، في مقابلتضخم الانفعالات المشخصنة وردود فعل المزاجية، تظل استراتيجيةالتواصل الافتراضي لغالبية الأحزاب استراتيجية مسطحة إذ لم تعمد إلى الاستعانة بوكالات متخصصة في التواصل معتبرة أن الحملة الافتراضية ليس لها وقع على الرهانات التشريعية والجهوية والجماعية، غالبية الأحزاب لم تستوعب أن العالم الافتراضي هو عالم يستقطب شريحة واسعة من المواطنين وأن اعتماد الأساليب القديمة مثل اللافتات والمطبوعات والاعلانات يشكل تخلفا عن المنطق التناظري الجديد للحملة الافتراضية، تتطلب الحملة الافتراضية تكوينا معمقا ومستمرا للنخب السياسية في الأساليب التناظرية لتتمكن من إقناع وتسويق مشروعها السياسي بلغة ومنطق ساكنة العالم الافتراضي ومن داخل مصفوفة قيم جديدة ترتبط بمنطق الاتصال وتوضيب الخرجات الافتراضية وبناء التداول التناظري

The post الحملة الافتراضية والتداول التناظري appeared first on فبراير.كوم | موقع مغربي إخباري شامل يتجدد على مدار الساعة.

Read More

التصنيفات: World

0 تعليق

اترك تعليقاً

عنصر نائب للصورة الرمزية (Avatar)

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.