خرج الأستاذ في علم الاجتماع، عبد الصمد الديالمي، بتوصيات جديدة تتعلق بإعادة بلورة الحريات الفردية الجنسية، وكذا الحريات الفردية الدينية في المغرب، وذلك عن طريق عدة مساطر تنطلق من إصلاح هيكلي للقانون الجنائي.

واستنبط الأستاذ محددات التعديل من مجموعة من المصادر الأكاديمية، من قبيل:

– “سوسيولوجيا الجنسانية العربية”، بيروت، دار الطليعة، 2008.
– ” الانتقال الجنسي في المغرب: الحق في الجنس، في النسب وفي الإجهاض”، الرباط، دار الأمان، 2015.
– “سوسيولوجيا الإلحاد في العالم العربي”، منشور في “مؤمنون بلا حدود”، 2016.
– “نحو إسلام مناهض لعقوبة الإعدام”، محاضرة في ندوة “عقوبة الإعدام والشريعة الإسلامية“، تنظيم “المنتدى العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام” و “المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي”، أسلو، 23 يونيو 2016.
– “الحريات الدينية في المغرب”، منشور في موقع “مؤمنون بلا حدود”، يناير 2020.

وحسب الديالمي فإن هناك مجموعة من المعطيات البنيوية، التي يجدر أن تأخذ بعين الاعتبار لضمان نجاح التعديل الجنائي المتعلق بالحريات الفردية، من بينها:

– تراكم الفكر الإنساني الحداثي الذي ينادي بحق كل فرد في المتعة الجنسية شريطة أن يكون الفرد راشدا وراضيا وعارفا بالجنس ومدركا لمعانيه وملما بتقنيات الحماية من خطري الحمل غير المرغوب فيه والأمراض المنقولة جنسيا،
– مبدأ حرية التصرف في الجسد كحرية فردية ينص عليها ميثاق حقوق الإنسان الأساسية.
– مبدأ أنه لا مواطنة حقة دون حق في المتعة الجنسية لكل المواطنات والمواطنين.
– ضرورة تحقيق الملائمة بين المعاهدات الدولية والدستور والتشريعات الوطنية.
– ضرورة جعل القانون الجنائي لا يتخلف على الانتقال الجنسي الذي يعيشه المجتمع المغربي والذي يتميز بانفجار جنسي ثلاثي، قبل زوجي، بغائي ومثلي، وهو الانفجار الذي لا يمكن إنكاره كواقع لا يُرفَع.

ولإصلاح القانون الجنائي أوصى عالم الاجتماع بما يلي:

– حذف الفصل 489 الذي يجرم العلاقة الجنسية المثلية والذي ينبني على تأويل قابل للنقاش لآيات قرآنية وعلى حديث غير وارد في الصحيحين، آن الأوان للتوقف عن اعتبار آراء الظاهرة والرافضة من المثلية الجنسية بدعة وضلالة، آن الأوان لإعطاء مصير قانوني لهذه الآراء التي تبرئ الجنس المثلي والتي لا تقول بحده أو بتعزيره. لماذا لا نجعل من تلك الآراء مصدرا لقوانين إسلامية حداثية تقبل المثلية (من داخل الإسلام) وتلتقي في الوقت ذاته مع توصيات المنظمات الدولية؟

– حذف الفصل 490 الذي يجرم كل علاقة جنسية (جنحة فساد) بين رجل وامرأة عازبين مع الخلط بين العلاقة القائمة على الرغبة المتبادلة والحب وبين العلاقة البغائية، وهو الفصل الذي يُعَلمِنُ تحريم “زنا غير المحصن” خوفا من خطر اختلاط الانساب والأموال وحفاظا على الشرف والعرض، إنه خطر لم يعد قائما اليوم بالنظر إلى توفر تقنيات حديثة لمنع الحمل، ثم إن ارتباط الشرف بالعذرية مؤشر على سيادة نظام بطريركي يمأسس العنف ضد النساء، وهو النظام الذي يجب حذفه. عند حذف الفصل المذكور، يصبح التحريم الفقهي للجنس قبل الزواج قناعة فردية محضة لا تطال التقنين مع التذكير على أن الزواج المبكر والإمساك الجنسي قبل الزواج ليسا بحلين واقعيين وملائمين اليوم.

– حذف الفصل 491 من المجرم للخيانة الزوجية (المُعَلْمِن لزنا المُحْصَن) وتحويل الخيانة الزوجية إلى قضية مدنية لا دخل للدولة (عبر النيابة العامة) فيها.
– حذف الفصول المتعلقة بتجريم الإجهاض: نتيجة لأميته الفقهية، لا يعرف المواطن المغربي “العادي” أن الشافعية والحنابلة يجيزون الإجهاض (الإسقاط) قبل بلوغ الحمل أربعين يوما (يباح ما لم يتخلق). ولا يعرف أيضا أن الحنفية والظاهرية يبيحونه في الشهور الأربعة الأولى من الحمل، أي قبل “نفخ الروح”. أما الإجماع على تحريم الإسقاط، فيتعلق بالحمل ابتداء من الشهر الخامس (ما عدا إذا خيف على حياة المرأة الحامل). إن من حق المغربي كمواطن أن يعرف كل الآراء الفقهية السنية (والشيعية أيضا)، لكنه لا يعامل كمواطن وإنما ككائن ينبغي تحويله إلى مسلم مالكي متعصب للمالكية.

– تحرير الرأي العام والقانون الجنائي من المنظور المالكي في موضوع الإيقاف الإرادي للحمل.
– تعويض مفهومي الإجهاض والإيقاف الإرادي للحمل بمفهوم “الإيقاف الضروري للحمل” لأسباب طبية، علاجية أو اجتماعية قاهرة.
– إصلاح الفصل 160 الخاص بالاستلحاق في مدونة الأسرة: الاستلحاق مكسب مهم لكونه وثيقة قانونية تثبت إقرار الأبوة خارج الزواج “بإشهاد رسمي أو بخط المُقِرِّ الذي لا شك فيه”. ما يطبع الاستلحاق من نقص أنه اعتراف حر اختياري من طرف الوالد، اعتراف لا يجبره القانون على الإدلاء به، فتحول الوالد البيولوجي إلى أب قانوني فعل اختياري سيادي. لا وجود لسلطة قانونية قهرية تجبر الوالد على الإقرار بأبوته وعلى تحمل كل التبعات القانونية ذلك. من ثم، العمل على تمكين الأم العازب من حق الحصول على اختبار الحمض النووي وعلى جعل الاستلحاق أمرا قضائيا إجباريا عند ثبوت والدية الشريك الجنسي. وهو إصلاح سيراعي مصلحة الطفل العليا، فعدم ربط الطفل بوالده البيولوجي عنف ضد الطفل وخرق لحقوقه الأساسية من نسب ونفقة وإرث.

في المقابل أشار الديلامي، إلى مرتكزات عدة من شأنها تعديل الحريات الفردية الدينية، تمثلت في العوارض التالية:

– قراءة النص الديني سواء كان قرءانا أو سنة ليست حكرا على الفقهاء وحدهم، بل هو نص قابل للقراءة والتأويل من طرف العلماء الآخرين مثل علماء الاجتماع والاقتصاد والتاريخ واللغة، فنحن في حاجة استراتيجية لقراءاته من جوانب متعددة حتى يتسنى لنا فهمه وتطبيقه بشكل ملائم.
– حرية العقيدة منصوص عليها صراحة في النص القرآني وبالتالي علينا أن نحترمها وأن نحميها في القانون وبالقانون.
– مسألة المذاهب تبقى مسألة سياسية بالأساس، أما أن نرفض الدين كلية فهذا مطلب أعمق وأجدر، لكنه يشكل المعركة الحقيقية لأننا إذا ربحنا حرية العقيدة سنربح حرية التمذهب، ويمكن أن نبدأ بحرية التمذهب على اعتبارها معركة صغرى ولو أنها معركة سياسية بالأساس.
– التوليف بين المذاهب سمي تلفيقا من طرف الفقهاء المتمذهبين، وعلينا اليوم أن نسميه تحررا مذهبيا وأن نجعل منه “قاعدة جديدة لاجتهاد جديد في مجتمع إسلامي جديد”،
ـ السلطة السياسية الديمقراطية لا تفرض الإسلام على مواطنيها ولو كان الإسلام دين الدولة،
– الحرية الدينية هي الكفيلة لوحدها بضمان إيمان صادق وحقيقي لدى الفرد، وهي التي تجعل الدولة تتعامل مع الفرد كإنسان راشد يتحمل مسؤولية اختياراته الحياتية، وعلى رأسها اختياراته الدينية.

التوصيات المتعلقة بالقانون الجنائي:

ـ الإقرار بحرية العقيدة والضمير في الدستور عوض الاكتفاء بالإقرار بحرية العبادات: عدم تجريم التحول الديني أو المذهبي، عدم تجريم التبشير، عدم تجريم الإلحاد: ذلك أن استنطاق المواطن بسبب معتقداته الدينية شيئا غير مقبول، كما أن متابعة المتحول الديني باسم الفصل 220 أمر لا يستقيم قانونيا لأن المتحول ليس مبشرا، بل ينبغي الانتهاء من تجريم التبشير نفسه والانتهاء من اعتبار الإلحاد (وكل أشكال “الردة”) مرضا أو جريمة أو خيانة وطنية.
– حذف الفصل 222 والتوقف عن تجريم الإفطار العلني خلال شهر رمضان، أي عدم اعتبار الصيام نظاما عموميا في شهر رمضان
– تجريم كل تعليم ديني يناقض مكتسبات العلوم مثل نظرية التطورالبيولوجية ونظرية الانفجار الأكبرالفيزيائية ـ الفلكية…): السلطة السياسية الديمقراطية لا تجعل من المدرسة العمومية مصنعا لإنتاج مسلمين، وإنما فضاء محايدا لتدريس الأديان الرئيسية بشكل علمي موضوعي محايد، فالمدرسة العمومية مجال لصناعة المواطن الحر. وعلى أقل تقدير، يقتضي احترام حرية العقيدة أن تصير مادة “التربية الإسلامية” مادة اختيارية.

واختتم الديلالي ورقته بتوصيات، تمحورت حول عقوبة الإعدام:

-البدء بتجميد فعلي لعقوبة الإعدام : تجميد النطق بالحكم بالإعدام، تجميد التنفيذ،
-الانتقال إلى تجميد قانوني: الإعدام اختيار من بين الأحكام الممكنة في حالة الجرائم الخطيرة المتفق عليها دوليا،
– الإكثار من إمكانيات العفو
ـ الانتهاء إلى إلغاء عقوبة الإعدام :
– إلغاء الحكم بالإعدام في القضايا السياسية وقضايا الرأي والاعتقاد
– إلغاء الحكم بالإعدام في حالة القتل العمد: الدولة لا تقتل مواطنيها

The post الديالمي يوصي بإباحة العلاقات الرضائية وتكريس الحريات الفردية الجنسية appeared first on فبراير.كوم | موقع مغربي إخباري شامل يتجدد على مدار الساعة.

Read More

التصنيفات: World

0 تعليق

اترك تعليقاً

عنصر نائب للصورة الرمزية (Avatar)

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.